مارس 2020
سمعت إحداهن تقول أن هذه الأزمة التي نمر بها يجب على كل أحد منا أن يدون عنها بالشكل الذي يحب ويريد، فلربما استطاع أحد منا أن يؤلف كتابًا فحواه هذه الأزمة أو أن يخرج في لقاء يتحدث عن فيروس كورونا. وأنا أزيد بقولي أو على الأقل لعل أحد تسقط عينه على قصاصة من هذه التدوينة ليذكر في زمانه هذه الأيام التي نعيشها والتي هي بالأحرى تعدل عمرًا من الصبر والسعي لفهم هذه الحياة وطريقة مجراها.
فالحياة التي رغبنا بها كثيرًا، في كل يوم -في أيامنا السابقة- كنا نستيقظ بنفس الشغف على السعي خلفها واكتشاف المزيد منها حتى لا نبقي فيها ثغرة لا نحرثها؛
فأكثرنا فيها هرجًا و مرجًا، و أرهقنا أنفسنا فيها عبثًا وهدرًا.
وفي سيناريو مفاجئ وسريع على مسرحها انقلبت فيه الأحداث، فغرق كل ما كان على سطحها، تلك الأشياء التي كانت أساسها -أو بالأصح كنا نظن ذلك- لتصدم الحياة فيه جمهورها فيلتزم جميعهم مقره، فبعضهم فعل ذلك خوفًا وصدمة، والآخر فعله تأملًا فجعل يعيد في عقله هذه المسرحية مرة بعد أخرى، حتى تبين وظهر على السطح ماكان أولويًا فعلًا.
إذ أن الحياة أعمق مما كنا نتصور وأبسط مما كنا نعيش.
فقد عزلتنا الثانويات عن أساسنا، وابتعدنا كثيرًا عن تلك اللقاءات الودودة التي لا تجمعنا بأحد سوانا (نحن وأنفسنا) فكل ما كنا نسعى له في السابق اختفى عنا الآن، لنواجه أنفسنا التي كنا نهرب منها طوال تلك السنين السابقة.
أنفسنا التي ظلمناها كثيرًا وحاولنا أن نواريها تحت ستار غدًا اللقاء والمحاسبة. اليوم هو يومها فأنفسنا جائعة للكثير. جائعة ومتأملةٌ لكتاب تقرأه، لصلاة تتلوها، لعمل تتقنه، أو حتى لساعة تأملٍ تعيد فيها ترتيب بعثرتها.
إن النفس هي القوة البشرية العظمى، وهي الأداة السحرية لفك كل شفرة تواجهنا لكننا غالبًا ما نجهل شفرتها في الوقت ذاته.
ومع ذلك، ستمر هذه الأيام وإن طالت شهورًا، وستكون في عقولنا تاريخًا، وسيظهر مع الأيام علينا تأثيرها فينا سلبيًا كان أم إيجابيًا. وبعد ذلك سندرك أنها أرقامًا من عداد أعمارنا لها وعليها مثل الأيام السابقة.
الخلاصة، الحياة لا تملك قوةً لأن تُميل مركب السائرين فيها، إنما قوة الميل والثبات داخل أرواحهم ونفوسهم.
“إنّ معرفة النّفس فضيلة في حد ذاتها، تدلنا إلى معرفة طريق الحياة الأنسب لها.”
*ياسر حارب.
مدونة نورة الصنيع: