
يقولون: “الكمال لله، وكمال الإنسان في نقصه”*.
لذا فإن عدم إيماننا بالنقص يجعلنا ننسلخ من انسانيتنا وفطرتنا بمجرد محاولتنا لإعادة خلق الخالق والمناضلة للوصول إلى المثالية الزائفة.
لكننا وحتى مع إيماننا بهذا لا نزال نركض نحو وهم الكمال ونسعى إليه كمن يركض في دولابٍ ويضن بأنه سيصل في النهاية.
إننا وبدلًا من أن نكتفي بذواتنا وإحسان الله علينا ونقف لحظة نتأمل فيها حُسن خِلقتنا وخُلقنِا، جمال أرواحنا ورغد عيشنا؛ فإننا نبحث عن ثغرةٍ تهدد استقرارنا النفسي وقناعاتنا.
أنا هنا لا أتحدث عن تنمية الذات وتطويرها، ولا عن البحث عن طرق للعيش بشكلٍ أفضل.
بل إني أستهدف في مقالي هذا كل من يضن أن المجاراة والمنافسة ضروريةٍ في حياته وأنه لن يصبح أفضل إلا بعد أن يرتدي هذه القطعة أو يشتري هذه الحقيبة أو ربما يسافر لهذه الدولة، …إلخ.
إذ إن الإنسان خصيم نفسه، فيزيد على نفسه تعبًا ويشتري مايرهقه ويستمر بشخذ المزيد والمزيد إذ أنه لا يرى مافي يديه ولا يعي مايملك حتى يفقد. فإن المرء غالبًا ما يخلط بين الهدف والطمع، إذ أن من يهدف لأمر معين يكون قد رسم كل مايحتاج ومايريد قبل الإنطلاق، ثم قد يبدأ فيه الطمع فيأكله وينهش فيه حتى يختفي.
أتحدث عن أولئك الذين ينقصهم دائمًا ما بيد غيرهم، ولا يعيشون لأنفسهم إنما لأجل الآخرين، فنراهم يتبدلون في اليوم لألف لون، ويتأثرون بكل رأي فلا نراهم يفكرون قبل أن يغيروا من ملامحهم وفقًا لما تنصه معايير الجمال، ويتعاملون مع أخلاقهم وكأنها بضاعة تشترى وتسترد، كل هذا خوفًا من أن يكونوا بعين الآخرين ناقصين، فإنهم يفعلون أشياء لا تعجبهم ويلبسون ثيابًا لا تناسبهم ويتحملون أشياء فوق طاقتهم فقط من أجلِ وهم الكمال وحب لفت النظر. في حين أن الواقع يقول أن لا أحد يُرعي إهتمامه لأحد فيبدو ذلك الساعي للفت النظر كسمكة إلتقمها نورسٌ فطار بها عاليًا فلما رأت جمال البحر من عُلوٍ أفلتها فكان وقوعها مؤلمًا جدًا.
وكما كان رأي الإمام الشافعي فإني لا أعيب هذا الزمان ولا أعيب هذه الظروف، إنما أعيب من تزعزعت روحه وأصبح لا يعرف أين موطء قدمه ولا إلى أين وجهته، فأصبح وكأنه على أرجوحةٍ تتهادى بها الريح.
الخلاصة، إن الإنسان لا تتضح زوايا نفسه ولا تتم إلا بالإكتفاء الذاتي وإبراز روحه التي تميزه عن الآخرين ، وثباته على المبادئ لا الآراء، فحسن العلاقة مع النفس أهم من حسن العلاقة مع مجتمع كامل، إذ أن من يكون رصينًا من الداخل لا يعز عليه إلا ربه.
فكما يقول مصطفى صادق الرافعي: “إنما هي ثلاثة: المبدأ الشريف للنفس، والفكر السامي للعقل، والحب الطّاهر للقلب؛ هذه هي معاني الكمال الإنساني.”
مدونة نورة الصنيع: