السلسلة القصصية [ الأسطورة سمورامات الآشوريّة ] بتصرّف ، الجزء الأول :
يحكى أنهُ ذات يوم هدرت سيول عارمة هابطة من أعالي التلول و السفوح المحيطة بمنابع الفرات فجرفت في مسيلها كلّ صغيرة و كبيرة . إهتاجت الأسماك و طفقت تتقافز نحو الشواطئ و تستلقي فوق الحصى و الصخور . و إذا ببيضة عظيمة تلوح طافية تتراقص فوق وجه النهر ، فأخذت سمكتان كبيرتان تسبحان باتجاهها ثم دفعتا تلك البيضة نحو الضفة . و على حينِ غرّة هبطت حمامة بيضاء عملاقة ، و احتضنت البيضة بعيداً عن مجرى النهر و اختفت مرفرفة في قبة السماء . ثم رقدت الحمامة فوق البيضة حتى آن اليوم الذي فقست فيه ، فخرجت منها فتاة صغيرة آية في الجمال و الاكتمال ، تحطّ حولها أسراب الحمام ، يتعهدنها بالرعاية و يمنعن عنها حرّ الشمس بهفيف الأجنحة و يهبنها كذا الدفء في سطوة البرد . و أنشأت الحمائم تبحث عن الغذاء ، فاهتدت الى موضع يختزنُ فيه الرعاة الجبن الذي يصنعوه و الحليب الذي يحلبوه . فكانت الطيور تأخذ جاهدةً بمقدار ما يحمله المنقار و تطعمُ به الرضيعة من حليب و جبن . فانتبه الرعاة الى جبنهم المنقور و حليبهم المنقوص . و أخذوا يراقبون السبب ، تركوا عيناً رفيقاً لهم يتقصّى و يحرس ، فإستغربوا فعل الحمائم و حين تتبعوا أثرها الى موضعٍ ليس ببعيد عثروا على الصبية الصغيرة . هالهم مرآها و ظرافتها فأستبشروا أيّما إستبشار ، و انقلبوا الى خيامهم مسرورين ، ثم أسموها سميراميس ، و أتفقوا بعد الشورى على أن يحملوها ليبيعوها في ( سوق نينوى العظيم ) ، و شاءت الصدفة أنهم وصلوا الى هناك في ( موسم الزواج ) الذي يقام كل سنة في عامة أصقاع المملكة ، فيتوافد الشبان و الشابات من مختلف الأرجاء و المدن و الأرياف ثم يلتقون في سوحٍ فسيحة فينتقي كلٌّ لنفسهِ / لنفسها ، زوجة / زوج ، و من سمات هذا اليوم أن يظفر كل شاب بعروسة شابة أو يشتري صبية يحملها الى داره فيربيها الى أن تبلغ سن الزواج فيتزوجها أو يقدمها عروساً لأحد ابناءه إن كان من الشيوخ . تقدّم الرعاة الى أول الصف و إرتقوا منصّة البيع معهم سيراميس الطفلة المتلئلئة الصغيرة ، كان سيما ناظر إسطبل خيول الملك رجلاً عقيماً لم يرزق بذريّة فهفا قلبهُ حينما رأى سميراميس ورغب بتبنيها فهرع يساومهم عليها ولم يزل حتى إشتراها منهم و سلكَ الى زوجتهِ يزفُّ لها الخبر ، فإتخذوها إبنة لهم . يتبع ..
__________
#شتاء_الخامس
#عبدالله_آل_بصري
[ حقوق النص محفوظة ].
نادي الكتّاب العرب 