#مسابقات_الكُتّاب : ألهمتني صورة | منيرة درع

لم أفكر يوماً بأن هذه الغفوة أو تلك قد تكون الأخيرة، ولا بأن هذه الوجبة أو تلك قد تكون الأخيرة، ولا بأن هذه الكلمة أو تلك قد تكون الأخيرة، ثم جاءت الحرب، متوقعة كعادتها، وثقيلة كما ينبغي للحرب أن تكون، وظالمة جداً مثل الناس فيها. لكني أبقيت الأمل حياً بداخلي، قاتلت لأبقيه هناك دافئاً ومشعاً أكثر مما قاتلت في هذه المعارك المضنية. منيت نفسي كل يوم بأن الحرب ستنتهي وسأعود لبيتنا، حيث سأنام على سريري النظيف المرتب، وأستحم بالماء الدافئ. أقلم أظافري وأحلق ذقني بتأني وحذر أمام مرآة معلقة على الجدار. أرتدي جوارب نظيفة وأضع شيء من العطر، وأتناول وجبة ساخنة طهتها أمي خصيصاً لي، مملحة جيدة وبها كل البهارات التي أحب. وأستنشق الهواء النظيف الخالي من رائحة الموت واللحم المتعفن والبارود والقيء والفضلات … والخوف. الخوف من أن تغفو لآخر مرة، من أن تكون كسرة الخبز الرطبة العفنة آخر كسرة ستأكلها، من أن اللعنة التي ستطلقها على هذا أو ذاك ستكون آخر كلمة يسمعها الكون منك. الخوف من الموت قذراً منتناً في أرض غريبة بين رجال غلاظ من أجل قضية لم تعد تؤمن بها، أم أنك لم تؤمن بها قط؟! الخوف من الموت وأنت تحاول الهرب بروحك الخفيفة المستعدة دائماً للطيران خارج جسدك دون إنذار. ثم تأتي رصاصة صغيرة جداً لا تهمها مخاوفك بقدر ما يهمها أن تعطي روحك سبباً مقنعاً لترك جسدك الهزيل المريض من كل ذلك الخوف، وترحل دون أن تسلم رسائلك وآمانيك لكل الذين ينتظرونك ويربون أملاً زائفاً وماكراً يخبرهم كل يوم أن الحرب ستنتهي وأنك ستعود، ثم لاتنتهي الحرب ولا أنت تعود.

* منيرة درع

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s