مقال: مَا هِيَ حِكَايَة لوكيوس أبوليوس؟ | عبدالله آل بصري

وَصَلَتنِي رِسَالَة مِن صَدِيقِي ، مَفادُهَا سُؤالاً رَفِيعُ المُستَوَى – فِكرِياً ، سؤالاً كانَ من الأهَمّيةِ أن حَثّني على كِتَابة مَقالَة ، سؤالاً ثَقَبَ جَرّة الإلهَامِ فإنتَثَرَ الوَحيُ في الهَوَاء . كنتُ أعرفُ الإجَابَةَ الدَقِيقَة التامَّة عَليه ، الإجابَة البَلسَمِيّة الشَافِيَة . لكِنّنِي لَحظَتَذاك كُنتُ مُنتَشِياً بِسطوَةِ الهَوَى ، فَلَمْ آبَه لِلتَفكيرِ بِه ، و أَخالُني هامِساً وقتئذٍ مثلَمَا قالَ لوقيوس لِفوتيس : [ .. عينيكِ المزغللتين و وجنتيكِ المتوَرّدتين و شعركِ الشعشعانيّ و شفتيكِ المتلظّيتين و نهديكِ المتأرجحين .. ] أو [ .. أُقسِمُ بِعقصَة شعرَكِ الحُلوَة التّي سبَيتِ روحِي بها أَلّن أوثرَ على فوتيسي ما حَيِيتُ إمرأةً غَيرها ] ، لكِنَّ السُؤال بَقِيَ يَنقُر و يَنقُر في رَأسِي ، لا لأنّني أُحِبُ أن أكتَشِفَ الجَوَابَ فُضُولاً ، بل لأنَّنِي أعرِفُ الإِجابَة لكنّها غَابَتْ عن ذِهنِي لِوهلَة ! بِنقرَةِ زِر أو عفواً بِلَمسَةِ إصبَع ! كان الرَدُّ أمامِي : ( الحِمَارُ الذّهَبِيّ ) . نعم ، الحمارُ الذَهَبيّ ، هو الإجابَة . قالَ لي : ما هي أوَّل رِوايَة في تَأرِيخِ البَشَريّة ؟ و كيفَ لا أعرِف !؟ و أنَا الذي كنتُ أتخيلُ هذا الحِمَار الّذِي يُفكّر و يحمِلُ الأثقَال و يجوّعُهُ اللّصوص ! هذا الحِمار _ الرَّجُل ! هذا الّذي أشقاهُ الفُضُول ! هذا الذِي كانَ خَلاصُهُ في زهرَة ! العامَ الماضِي كنتُ مُستَمتِعَاً أيّمَا مُتعة في قراءةِ رواية ( التَحَوّلات ) ثانِية روايتَين خلّفهُمَا لَنا الأدب اللّاتيني ، لكِن لا أذكُر لحَدِّ الآن ما الّذي أشغَلَنِي عنها كَي أترُكَ كِتاباً آسراً كهذا جانِباً و أنسَاه و لا أعُودُ إليه ! لا رَيبَ أنّهَا كانَتْ إمرَأة !! فلا يَتَأتّى للرَجُلِ أن يَستَبدِلَ حلاوةَ كِتَاب مهمَا كان إلا بِحلاوَةِ إمرأة ! اليومَ إستأنفتُ قراءَةَ القِصّة من جدِيد ، و ها أنا أخُوضُ المغامَرةَ بكلِّ أبعَادِها . من الهَام هُنَا الإشارَة إلى أنّ المؤلّف لوكيوس أبوليوس و بالأمازيغية ( أفولاي ) ، أحد أشهَر كتّاب القرنِ الثاني وُلدَ في مادورة ( مدوروش بالجزائر حاضِراً ) في ١٢٤ م . تعلَّمَ بقرطاج و أثينا ثمّ أقامَ و ربّما إشتَغلَ مُحامياً بروما . ثمّ عادَ إلى أفريقية ، و تزوّج بأويّة ( طرابلس ) أثناءَ سفرٍ إلى الإسكندريّة أرملةً غنيّة . رفعَ ضدّهُ إبنها و عمّهُ قضيّة بتهمَةِ تعَاطِي السّحر في محكَمَةِ صبراتة ١٥٩م ، فكتبَ مرافعةً عن نفسهِ . ثمّ عاشَ في قرطاج حيثُ كتَبَ عدّة خُطب و مقَالات جمَعَ بعضُها تَحتَ إسم ( المنتخبات ) ، لهُ كذلك كُتُب فلسفيّة ، كَمَا تُنسَبُ إليه كُتُبٌ أخرَى في مجالاتٍ عدّة . يرجّحُ أنّهُ كَتَبَ روايَتِهِ هذهِ بعدَ ١٧٠م ، و أنهُ أقتبسَها من كاتبٍ يونانيّ بقيَ ملخّص من قصّته يُنسبُ للقيانوس السّموساطيّ مُعاصرهُ السوريّ ، لكنهُ صاغَهَا بإسلُوبِهِ الفذّ و أعطَاهَا إلى جانِبِ طابِعِهَا الشيّق بُعدَاً فلسفياً .

———————

#عبدالله_آل_بصري

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s