سأميطُ الإبهام عن أكثر الأدباء المرموقين الذين دَرَجوا على التعجّل . و أنتجوا عبرهُ أعمالاً طفحتْ بها شهرتهم . تأتيهِ أقزامهُ البنيّة في الليل تنسجُ لهُ أحلاماً مروّعة ، ثم تنسلُ من تحتَ غطاءهِ ما أشرقَ الضياء ، فتتركُ لهُ قصصاً ينكبُّ على سردها _ للقارئ . كان روبرت رجلاً منحولاً مسلولاً منذُ مطلعْ شبابهِ ككافكا و تشيخوف . عُرِف بسرعة تأليفهِ الهائلة حيث كتبَ روايته ( القضيّة الغريبة للدكتور جيگل و مستر هايد ) ، في غضون ثلاثة أيام فقط ، أعتزلَ في غرفتهِ مواصلاً الكتابة فوق سريره تحت الضوء الكابي للنهارات ، وعلى نور الشموع في الليل . و التي أعتبرها أحد أصدقاءهِ _ كنزاً قوطياً أستُخرج من منجم عميق . و نكاد لا نجد مثل هذا الأستثناء في تاريخ الأدب إلّا لدى كافكا الذي فرغ من كتابة ( المحاكمة ) في ليلة واحدة . في روايتهِ يسبغُ ستيڤنسن وصفَ الضباب الذي يكتنف أزقّة لندن و شوارعها و سماءها . و لا تستوقفهُ فكرة كما يفعلُ الميل الى التقدم في ذلك الضباب بعينين مفتوحين جاحظتين تلتقطان أدقّ الخفايا . كــ: [ وهنا سينقشعُ الضبابُ تماماً للحظة ، فيومضُ مجرى ناحلٌ من بصيص النهار بين أكاليل الغمام المضفورة المدوّمة ] و [ ما إنفكَّ الضبابُ غافياً بأجنحتهِ فوق المدينة الغارقة حيثُ تتلألأ القناديلُ كالجمر ] و [ كان وهجُ ظهيرات الخريف القائظة في الكروم المبثوثة على حفافي التلال يتأهبُ لإطلاق سراحهِ فتتبدد بهِ ضبابات لندن ]. ولو طاب لي حصر التشبيهات المماثلة التي وطنّها و التي أخذت هذا المنحى هنا فقط ، لأحتجتُ عدداً من الصفحات . التسرّع بلا ريب يتركُ أثراً في النص الأدبي ، كمن يخطو سرّاً على الثلج المتساقط ، فتَشي بهِ آثارُ قدميه . فالحوارات تظهر للقارئ المقارن بادِيَةْ السطحيّة و الإيجاز ، نظير إسهابهِ في التصوير في فقرات و تركيز معنى العبارات في مواضع أُخَر . و مقابل ما سلَف تتعاضد الجزالة في الحبكة و العمل ككُلْ ليُنتِجْ لنا رواية أُعتبرت من أهم الروايات المعروفة في أدب القرن التاسع عشر ، حيثُ إستدلَّ بها يوسا في كتابهِ ( رسائل إلى روائي شاب ) عندما تطرّق لكيفية نسج الحبكة .
____________
#عبدالله_آل_بصري
نادي الكتّاب العرب 