في رفّة عين ، فاضت ردهة الطوارئ بأطفالٍ و نساءٍ و شيوخٍ و عجزة و شبيبةٍ فقدوا السيطرة على أمعائهم و تلووا إثرَ الألم الذي يعتصرُ بطونهم التي قطّعها الجزع عبر سنواتٍ الخوف . فما ترى إلا الوجوهُ شاحبة و العيون غائرة و الأجساد واهنة و الكلماتُ تخرج من أفواههم ناشفة متكسّرة و النظرات في صميمها ذابلة ، الأنينُ ديدنٌ معتاد و البكاء بلا هواد . كانتْ تطوفُ على المصابين كما لو أنّها قنديلُ أحد الصالحين يسهرُ على الجياع المنسيين في دامسِ الليالي . على شفاهها تراتيلٌ عذبة و من محيّاها الوضّاء يستمدُّ الرائي الأملُ بالنجاة . التلوثُ المتعمّد لمياهْ النهر الزلال العذب _ أحال أنفاس الحياة الى كابوس سلبَ بهجة الربيع من قلوب تلك الثلّة البائسة ، و ما كان لفؤادها الرؤوم إلا أن يجزعَ لحالهم و يرق ، فأنتَ تلفاها تهرُعُ كيما تلبي هذه الطفلة بالدواء و ذاك الشيخ بالتطمين و هذه الحامل ببوادر الشفاء . كان اليوم في ظاهرهِ مشمساً كأيٍ من نهارات آذار ، ماخلا القلوب التي كانت مزونُ الحزنِ فيها تهطلُ و تهطل . عندما شارفتْ فترة العمل على الختام ، كانت الأرواح الجريحة قد هدأ نزيفها ، فرعشاتُ الخوفِ سكَنتْ و الخفقاتُ المضطربة آبتْ لرتمٍها النسيق . فها هي حيواتٌ قد أنقذتْ و آمالٌ متقطعّة ببعضها قد أوصلت .
_________
عبدالله آل بصري