قصة – البتول

‏قالتها باستهتار صريح وتلقيتُها وكأني طفلٌ اكتشف في هذا الوجود شيئا جديدا ..

‏” كبَرتِ يا بتول! ”

‏إي كبرت وشاخت تلك اللهفة في داخلي

‏إي كبرت و وِلدَ في داخلي أطفال يتضاغون يستثيرون شفقة ما همّ من أفراحهم أن يرحل ..

‏كبرت وما اسطاعت يداي التي لا تكبران لمّ المزيد من هذا العالم الأرحب فأسقطتُ الكثير.. الكثير

‏لأحاول أن أخوض محاولةً.. إحتمال الخسارة واحتمال الفوز فيها سيّان

‏هأنذا أُمنّي النفّس.. وأغور في بقايا قواها كي أستبقيها أن لا تخور أن لا تهن..

‏”هذه صورتك وأنتِ عمرك سنتين معه قبل أن يمرض ”

‏ما امتلأت عيناي الباسمتان حينها بملامحه !

‏لا أذكره !

‏غرقتُ بسنيني العشرين في تلك الصورة

‏فتّشتُ في زوايها أحسستُ وكأنّما أحزاني الصاخبة مُندفعة من روحٍ يبوسٍ تُجرُّ في الهواء جرًّا على هيئةِ أنفاس..

‏أحسستُ بتوترٍ وكأن الوجود جميعه قد اكتظ حولي يشاهد معي هذه السنوات المنطوية في عيني كدمعة ..

‏أخذتْ هي تتأمّل وجهه وتسقيه من عينيها ..

‏وأطرقتْ بوقار

‏”الله يرحمك ”

‏تدحرج على شفتي سؤال :

‏هو ما جرّب أن يكبر  ؟

‏يبدو أن ذلك خير له.

‏وأخذ السكون يمتد.. والذكريات تؤتي كل واحدٍ منّا نصيبَه من الدّمعاتِ والبسمات..

‏كم تُشكّل الأيام ملامحنا .. كم تُؤثّر على مرايا ضحكاتِنا حتى تتبدّل وتتلوّن..

‏يا لتلك الساعة التي حفرت مسار الدمْعِ في وجهي قبل أن أركض للحياة.. وجعلتني أركض .. وجعلتني أكبر ..

‏يا لذاك الشعور الذي اتّسع في أضلاعي الصغيرة

‏ليجعلني أكبر ..

‏تلك الحيرة التي تلقّتني بين جنباتها لأصرُخ وأقررُ وأكبر..

‏تلك الليالي التي رأيتُها مدلهمّة كئيبة تواري ضعفي ولا تؤازره حتى شَقّ الفجرُ ذاك السكون وأشرقتْ أرضَ روحي ففطِنتُ وأخذتُ أكبر..

‏تلك العبرةُ التي أتت من قعر أحزاني لتمجّها.. غاضت في عيني الدمعات .. ولفّ فمي الصمت ليجعلها تكبر غصّةً في حلقي ويجعلني أكبر في حلق الكلام..

‏هكذا كبرت عقدًا في زمن الكلام بصمت

‏وكبرت عقدًا آخر أواجه الأيّام بالمقاومة

‏أذوب في انفرادٍ وأظهر الصلابة

‏وأسقط بقوةٍ كاملة

‏أرى كيف الذكريات استحوذت على أفراحِنا

‏وكيف أنّا نفقد نشوتها فيزداد قلقي مما هو آت

‏وأزداد أكبُر

‏أتعب لتعب أمّي وأرى دمعاتها وعجاف السنيّ تعصفُ بها

‏فأسّاقط…

‏وأرى أبي يرقبُ انبلاج الفرج، فتستعرُ الرجاءاتُ في قلبي وهو يواجه في شممٍ جحافلَ اليأس و بثباتِه يُعلّمني كيف أكبر، ويقول : مهما استبدّ بنا الأسى ” اللهُ أكبر..”

‏وهو الذي أذّن في أُذني منذ ولادَتي

‏”اللهُ أكبر ..  “

‏_البتُولْ

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s