غشاوة الأمل -عبدالله آل بصري

لم يكن شنجوب سوى قوقعةً صغيرةً ملونة ، ملقاة على رمال الساحل الدافئة ، يدبُّ إعتباطياً نحو اللامكان بمشيةٍ خرقاء ، و يظهرُ قلقاً مزمناً لا يهجع ، و مُصدراً طقطقةً لا تُسمع ، قوتُ يومِهِ من العوالقْ . كان وحيداً ، كأنه الإنسانُ في حزنِهِ . ذات مساء ، و بينما الشمس توشكُ على الأفول ، تبددت هواجسه اللامفهومة ، عندما شعر بيدٍ حانية تنتشلُهُ من حيرته ، تناهى لمسمعهِ صوتٌ أنثويّ ، يداعبُهُ بكلامٍ ليس من لغةِ قومهِ ، و لا من مستوى فهمهِ . ثم إنبلجَ بعد برهة وميضٌ متتابع ، ترشقهُ آلة مسطحة ، عرف فيما بعد أنها آلة تصوير ، كانت سبباً في شهرته . عندما تدارك شنجوب الأمر ، عرف أنه في بيئة جديدة ، من الرمال و الماء و أوراق الشجر و شيئاً من الفتات ، محشوراً في محيط ضيّق هو الأناء الذي يحتويه . تعرّف على صديقتهِ المنقذة التي كسرت طوق وحدتهِ ، و إنتشلته من ضياعه ، و أضفت لذكرياتهِ ألواناً و موسيقى . و على وقعِ الألحان ، وجد شنجوب نافذةًً يطلقُ منها روحهُ الحبيسة ، فترقصُ على الأنغامِ طوراً و ترتعش سكينته على أنين النايِ ردحاً ، ثمّ تؤوب و كأنها تخففت من أثقالها و حُمِّلَتْ بأخرى . في أيام قلائل ، تحول من شنجوب المنبوذ في العراء ، إلى شنجوب الموهوب المحبوب . كان قبلئذٍ على شفير اليأس ، فقد حاول مراراً أن يقذف نفسه في اليَمْ ، لكن الأمواج حملته ببالغ اللّطفْ ، و رمت به على الساحل . صديقته كانت ترثي موتهُ القريب ، لكنه تفانى لأجلها ، و بث في نفسهِ عزيمةًٍ أمضى . الصفة التي لن يتخلّى عنها شنجوب ، هيَ قلقَهُ ، قلقهُ اليائس ، الذي يدفعهُ الى الحركة و التشبُثْ بالأوهام ، ربما يكون هناكَ أملٌ ما في رأس شنجوب الضئيل ، حتى بلغ منه هذا القلق مبلغَهُ ؟! من يعلم ؟! الأمل ، شمعة بيضاء ، تضيءُ بلهيبٍ من قلقْ ، إن إنطفأ القلق ، يبرد الأمل ، فلا ينيرُ درباً ، و سيكونُ نسياً .

______________

#شتاء_الخامس #عبدالله_آل_بصري

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s